فصل: في الرَّجُلِ يُصَالِحُ غَرِيمَهُ مِنْ دَيْنٍ لَهُ عَلَيْهِ لَا يَدْرِي كَمْ هُوَ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المدونة (نسخة منقحة)



.(في الرَّجُلِ يَكُونُ لَهُ عَلَى الرَّجُلِ الدَّيْنُ فيجْحَدُهُ إيَّاهُ):

في الرَّجُلِ يَكُونُ لَهُ عَلَى الرَّجُلِ الدَّيْنُ فيجْحَدُهُ إيَّاهُ فيصَالِحُهُ مِنْهُ عَلَى عَبْدٍ فيرِيدُ أَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً:
قُلْت: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ لِي عَلَى رَجُلٍ مَالًا فيجْحَدُنِي فَصَالَحَنِي مِنْ ذَلِكَ عَلَى عَبْدٍ وَقَبَضْتُهُ أَيَجُوزُ أَنْ أَبِيعَهُ مُرَابَحَةً في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ في عَبْدٍ اشْتَرَاهُ سَيِّدُهُ بِدَنَانِيرَ فَنَقَدَهُ في تِلْكَ الدَّنَانِيرِ غَيْرَهَا: لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ مُرَابَحَةً حَتَّى يُبَيِّنَ مَا نَقَدَ، وَأَنَا لَا أَرَى بِالْبَيْعِ - في مَسْأَلَتِكَ - مُرَابَحَةً بَأْسًا؛ إذَا بَيَّنَ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ إذَا لَمْ يُبَيِّنْ، وَإِنْ بَاعَ وَلَمْ يُبَيِّنْ رُدَّ الْبَيْعُ إلَّا أَنْ يَفُوتَ الْبَيْعُ فيكُونَ لَهُ الْقِيمَةُ.
قَالَ مَالِكٌ وَلَوْ اشْتَرَاهُ بِدَيْنٍ كَانَ لَهُ عَلَى رَجُلٍ لَمْ يَصْلُحْ أَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً حَتَّى يُبَيِّنَ ذَلِكَ فَمَسْأَلَتُك مِثْلُ هَذَا.
قُلْت: أَرَأَيْتَ لَوْ اشْتَرَيْت ثَوْبَيْنِ بِدِينَارٍ صَفْقَةً وَاحِدَةً أَوْ أَسْلَمْت فيهِمَا صَفْقَةً وَاحِدَةً ثُمَّ قَبَضْتُهُمَا أَوْ لَمْ أَقْبِضْهُمَا أَيَجُوزُ لِي أَنْ أَبِيعَ أَحَدَهُمَا مُرَابَحَةً عَلَى نِصْفِ الثَّمَنِ إذَا كَانَ صِفَةُ الثَّوْبَيْنِ سَوَاءً؟
قَالَ: أَمَّا اللَّذَانِ اشْتَرَيْتَهُمَا بِأَعْيَانِهِمَا فَلَا يَجُوزُ لَكَ أَنْ تَبِيعَ أَحَدَهُمَا مُرَابَحَةً وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُمَا سَوَاءً وَصِفَتُهُمَا سَوَاءً لِأَنَّهُ لَوْ اُسْتُحِقَّ أَحَدُهُمَا لَمْ يَرْجِعْ بِمِثْلِهِ عَلَى صَاحِبِهِ وَإِنَّمَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِاَلَّذِي يُصِيبُهُ مِنْ الثَّمَنِ وَقَدْ تَخْتَلِفُ الْأَسْوَاقُ وَالْقِيَمُ وَإِنْ كَانَتْ صِفَتُهُمَا وَاحِدَةً، وَأَمَّا اللَّذَانِ سَلَّفْتَ فيهِمَا بِصِفَةٍ مَعْلُومَةٍ فَلَا بَأْسَ أَنْ تَبِيعَ أَحَدَهُمَا مُرَابَحَةً إذَا أَخَذْتَهُ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي اشْتَرَيْتَهَا عَلَيْهَا وَلَمْ تَتَجَوَّزْ عَنْهُ في الصِّفَةِ.
وَذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ اسْتَحَقَّ أَحَدَهُمَا فَإِنَّمَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمِثْلِهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ مَضْمُونًا فَلَا بَأْسَ بِهِ أَنْ تَبِيعَهُ مُرَابَحَةً.
قُلْت: وَكُلُّ شَيْءٍ اشْتَرَيْتُهُ مِنْ الْعُرُوضِ إذَا اشْتَرَيْتُ شَيْئَيْنِ صَفْقَةً وَاحِدَةً وَصِفَتُهُمَا وَاحِدَةٌ اشْتَرَيْتُ بِرْذَوْنَيْنِ قِيمَتُهُمَا سَوَاءٌ وَصِفَتُهُمَا سَوَاءٌ أَوْ شَاتَيْنِ أَوْ بَعِيرَيْنِ اشْتَرَيْتُهُمَا بِأَعْيَانِهِمَا وَلَمْ أُسْلِفْ فيهِمَا فَلَا يَجُوزُ لِي أَنْ أَبِيعَ أَحَدَهُمَا مُرَابَحَةً وَلَا عَلَى التَّوْلِيَةِ وَلَا عَلَى حِصَّةِ قِيمَتِهِ مِنْ الثَّمَنِ إنْ كَانَتْ قِيمَتُهُمَا مُخْتَلِفَةً إذَا كَانَتْ سِلَعًا بِأَعْيَانِهَا؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْت: وَمَا أَسْلَمْتُ فيهِ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ عَلَى مَا قُلْت يَجُوزُ لِي أَنْ أَبِيعَ أَحَدَهُمَا مُرَابَحَةً قَبْلَ أَنْ أَقْبِضَ وَبَعْدَ أَنْ أَقْبِضَ، أَيَجُوزُ في الصَّفْقَةِ إذَا كَانَتْ صَفْقَتُهَا سَوَاءً؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْت: فَإِنْ أَسْلَمْتَ في حِنْطَةٍ وَقَبَضْتُهَا أَوْ اشْتَرَيْتُ حِنْطَةً أَوْ شَيْئًا مِمَّا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ مِمَّا يُؤْكَلُ وَيُشْرَبُ أَوْ مِمَّا قَالَا يُؤْكَلُ وَلَا يُشْرَبُ أَيَجُوزُ لِي أَنْ أَبِيعَ نِصْفَهُ مُرَابَحَةً عَلَى نِصْفِ الثَّمَنِ أَوْ رُبْعِهِ مُرَابَحَةً عَلَى رُبْعِ الثَّمَنِ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.

.(في الرَّجُلِ يَكُونُ لَهُ عَلَى الرَّجُلِ مِائَةُ إرْدَبِّ قَمْحٍ مَنْ قَرْضٍ):

في الرَّجُلِ يَكُونُ لَهُ عَلَى الرَّجُلِ مِائَةُ إرْدَبِّ قَمْحٍ مَنْ قَرْضٍ فيصَالِحُهُ مِنْ ذَلِكَ عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ فيدْفَعُ إلَيْهِ خَمْسِينَ وَيَفْتَرِقَانِ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ الْخَمْسِينَ:
قُلْت: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ لِي عَلَى رَجُلٍ مِائَةَ إرْدَبِّ حِنْطَةٍ مِنْ قَرْضٍ فَصَالَحْتُهُ مِنْ ذَلِكَ عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ فَدَفَعَ إلَيَّ خَمْسِينَ دِرْهَمًا وَافْتَرَقْنَا قَبْلَ أَنْ أَقْبِضَ الْخَمْسِينَ الْأُخْرَى أَتَجُوزُ حِصَّةُ مَا انْتَقَدْتُ مِنْ ذَلِكَ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَا تَجُوزُ حِصَّةُ مَا قَبَضْتَ وَلَا حِصَّةُ مَا لَمْ تَقْبِضْ، وَلَا يَجُوزُ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ وَيُرَدُّ الدَّرَاهِمُ وَيَكُونُ الطَّعَامُ عَلَيْهِ عَلَى حَالِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَا إنَّمَا افْتَرَقَا الشَّيْءَ الْقَرِيبَ ثُمَّ أَتَاهُ فَنَقَدَهُ مِثْلَ أَنْ يَذْهَبَ إلَى الْبَيْتِ فَأَتَاهُ بِبَقِيَّةِ الثَّمَنِ فيدْفَعُهُ إلَيْهِ أَوْ مَا أَشْبَهَ هَذَا فَلَا بَأْسَ لِأَنِّي سَأَلْتُ مَالِكًا عَنْ الرَّجُلِ يَكُونُ لَهُ عَلَى الرَّجُلِ الدَّيْنُ الذَّهَبُ وَالْوَرِقُ فيعْطِيهِ طَعَامًا بِعَيْنِهِ في حَانُوتِهِ وَيُؤَخِّرُهُ إلَى الْغَدِ بِكَيْلِهِ وَيَأْتِيهِ بِالدَّوَابِّ.
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا بَأْسَ بِهِ، فَكَذَلِكَ هَذَا إذَا كَانَ يَذْهَبُ مَعَهُ إلَى الْبَيْتِ فينْقُدُ أَوْ إلَى السُّوقِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَلَا بَأْسَ بِهِ.

.(في الرَّجُلِ يَكُونُ لَهُ عَلَى الرَّجُلِ إرْدَبُّ حِنْطَةٍ وَعَشَرَةُ دَرَاهِمَ):

في الرَّجُلِ يَكُونُ لَهُ عَلَى الرَّجُلِ إرْدَبُّ حِنْطَةٍ وَعَشَرَةُ دَرَاهِمَ فيصَالِحُهُ مِنْ ذَلِكَ عَلَى أَحَدَ عَشَرَ دِرْهَمًا:
قُلْت: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ لِي عَلَى رَجُلٍ إرْدَبًّا مِنْ حِنْطَةٍ وَعَشَرَةَ دَرَاهِمَ فَصَالَحْتُهُ مِنْ ذَلِكَ عَلَى أَحَدَ عَشَرَ دِرْهَمًا أَيَجُوزُ هَذَا أَمْ لَا في قَوْلِ مَالِكٍ؟ قَالَ لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فيهِ شَيْئًا وَلَا أَرَى بِهِ بَأْسًا إذَا كَانَ الطَّعَامُ قَرْضًا فَإِنْ كَانَ الطَّعَامُ مِنْ بَيْعٍ فَلَا يَحِلُّ.

.(في الرَّجُلِ يَكُونُ لَهُ عَلَى الرَّجُلِ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَمِائَةُ دِينَارٍ):

في الرَّجُلِ يَكُونُ لَهُ عَلَى الرَّجُلِ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَمِائَةُ دِينَارٍ حَالَّةٌ فيصَالِحُهُ مِنْ ذَلِكَ عَلَى مِائَةِ دِينَارٍ وَدِرْهَمٍ:
قُلْت: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ لِي عَلَى رَجُلٍ مِائَةَ دِينَارٍ وَمِائَةَ دِرْهَمٍ حَالَّةً فَصَالَحْتُهُ مِنْ ذَلِكَ عَلَى مِائَةِ دِينَارٍ وَدِرْهَمٍ أَيَجُوزُ ذَلِكَ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْت: فَلِمَ أَجَازَ هَذَا وَهُوَ لَا يُجِيزُ مِائَةَ دِينَارٍ وَمِائَةَ دِرْهَمٍ بِمِائَةِ دِينَارٍ وَدِرْهَمٍ؟
قَالَ: لِأَنَّ الَّذِي لَهُ الْمِائَةُ دِينَارٍ وَالْمِائَةُ دِرْهَمٍ إذَا قَالَ لَهُ الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ: أَعْطِنِي مِائَةَ دِينَارٍ وَدِرْهَمًا فَهَذَا جَائِزٌ لِأَنَّهُ أَخَذَ مِائَةَ دِينَارٍ كَانَتْ لَهُ عَلَيْهِ وَأَخَذَ دِرْهَمًا مِنْ الْمِائَةِ دِرْهَمٍ الَّتِي كَانَتْ لَهُ وَتَرَكَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ دِرْهَمًا فَمَسْأَلَتُكَ في الدَّيْنِ إنَّمَا هُوَ قَضَاءٌ وَهَضِيمَةٌ وَمَسْأَلَتُكَ فيهِ إذَا كَانَتْ مُتَابَعَةُ الدِّقَّةِ كُلُّهَا حَاضِرَةً، وَإِنَّمَا هُوَ صَرْفٌ وَإِنَّمَا هُوَ بَيْعٌ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَهُ الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَقَدْ وَصَفْتُ لَكَ ذَلِكَ في قَوْلِ مَالِكٍ إذَا اجْتَمَعَ الصَّرْفُ في صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ ذَهَبٌ وَفِضَّةٌ بِذَهَبٍ أَوْ بِذَهَبٍ وَفِضَّةٍ فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ.
قُلْت: وَلَا يَجُوزُ في الصَّرْفِ في صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ أَنْ يَكُونَ ذَهَبٌ وَفِضَّةٌ مِنْ عِنْدِ أَحَدِهِمَا وَمِنْ عِنْدِ الْآخَرِ ذَهَبٌ وَفِضَّةٌ أَيْضًا الذَّهَبَانِ سَوَاءٌ وَالْفِضَّتَانِ سَوَاءٌ؟
قَالَ: نَعَمْ لَا يَجُوزُ هَذَا في قَوْلِ مَالِكٍ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ مِثْلًا بِمِثْلٍ»، فَهَذَا إذَا كَانَ ذَهَبًا وَفِضَّةً بِذَهَبٍ وَفِضَّةٍ فَلَيْسَ هَذَا ذَهَبًا بِذَهَبٍ لِأَنَّ مَعَهُ هَاهُنَا فِضَّةً فَلِلذَّهَبِ حِصَّةٌ مِنْ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ وَلِلْفِضَّةِ حِصَّةٌ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، فَلَا يَجُوزُ هَذَا وَهُوَ مِثْلُ الدَّيْنِ في مَسْأَلَتِكَ إنَّمَا هُوَ قَضَاءٌ وَحَطٌّ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ.
قُلْت: وَسَوَاءٌ إنْ كَانَتْ هَذِهِ الْمِائَةُ الدِّينَارِ وَالْمِائَةُ الدِّرْهَمِ بِالْمِائَةِ الدِّينَارِ وَالْمِائَةِ الدِّرْهَمِ مُصَارَفَةً - يَعْنِي مُرَاطَلَةً - أَوْ عَدَدًا فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ؟
قَالَ: نَعَمْ.

.(في الرَّجُلِ يَدَّعِي قِبَلَ الرَّجُلِ الدَّنَانِيرَ فيصَالِحُهُ عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ):

في الرَّجُلِ يَدَّعِي قِبَلَ الرَّجُلِ الدَّنَانِيرَ فيصَالِحُهُ عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ فينْقُدُهُ خَمْسِينَ دِرْهَمًا ثُمَّ يَتَفَرَّقَانِ قَبْلَ أَنْ يَنْقُدَهُ الْخَمْسِينَ الْأُخْرَى:
قُلْت: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا ادَّعَى قِبَلَ رَجُلٍ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ فَصَالَحَهُ عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ فينْقُدُهُ خَمْسِينَ دِرْهَمًا ثُمَّ افْتَرَقَا قَبْلَ أَنْ يَنْقُدَهُ الْخَمْسِينَ الْأُخْرَى أَوْ صَرَفَ رَجُلٌ مِنْ رَجُلٍ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَنَقَدَهُ الْخَمْسِينَ وَقَبَضَ الْعَشَرَةَ دَنَانِيرَ وَلَمْ يَنْقُدْهُ الْخَمْسِينَ الْأُخْرَى ثُمَّ افْتَرَقَا أَتُفْسِدُ الصَّفْقَةَ كُلَّهَا أَمْ تُجِيزُ حِصَّةَ النَّقْدِ وَتُبْطِلُ حِصَّةَ مَا تَأَخَّرَ مِنْ النَّقْدِ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: سَأَلْتُ مَالِكًا عَنْ رَجُلٍ ابْتَاعَ مِنْ رَجُلٍ بِمِائَةِ دِينَارٍ طَعَامًا إلَى أَجَلٍ فَنَقَدَهُ خَمْسِينَ دِينَارًا وَأَخَّرَ الْخَمْسِينَ إلَى مَحَلِّ أَجَلِ الطَّعَامِ يَقْضِيهِ إيَّاهَا وَيَسْتَوْفي الطَّعَامَ؟
قَالَ مَالِكٌ الصَّفْقَةُ كُلُّهَا مُنْتَقَضَةٌ وَلَا بَيْعَ بَيْنَهُمَا وَالصَّرْفُ أَيْضًا إذَا وَجَبَتْ الصَّفْقَةُ فَهِيَ مُنْتَقَضَةٌ وَلَا يُشْبِهُ هَذَا الَّذِي يُصَارِفُهُ ثُمَّ يُصِيبُ بَعْضَهَا زُيُوفًا لِأَنَّهُ إذَا أَصَابَ فيهَا زُيُوفًا إنَّمَا يَرُدُّ مِنْ الصَّفْقَةِ حِصَّةَ مَا وَجَدَ مِنْ الزُّيُوفِ وَإِنْ كَانَ دِرْهَمًا وَاحِدًا انْتَقَضَ صَرْفُ دِينَارٍ وَإِنْ كَانَ دِرْهَمَيْنِ انْتَقَضَ صَرْفُ دِينَارٍ وَاحِدٍ حَتَّى يَتِمَّ صَرْفُ الدِّينَارِ فَمَا زَادَ فَعَلَى ذَلِكَ تَبْنِي، وَهَذَا كُلُّهُ قَوْلُ مَالِكٍ وَكَذَلِكَ الصُّلْحُ حَرَامٌ لَا يَحِلُّ.

.في الرَّجُلِ يُصَالِحُ غَرِيمَهُ مِنْ دَيْنٍ لَهُ عَلَيْهِ لَا يَدْرِي كَمْ هُوَ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ لِي عَلَى رَجُلٍ دَرَاهِمَ نَسِينَا جَمِيعًا وَزْنَهَا فَلَا نَدْرِي كَمْ هِيَ كَيْفَ نَصْنَعُ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: يَصْطَلِحَانِ عَلَى مَا أَحَبَّا مِنْ ذَهَبٍ أَوْ وَرِقٍ أَوْ عَرَضٍ وَيَتَحَالَّانِ لِأَنَّ الْمَغْمَزَةَ في الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ وَالْعُرُوضِ سَوَاءٌ لِأَنَّهُ في الدَّرَاهِمِ يَخَافُ أَنْ يُعْطِيَهُ أَقَلَّ مِنْ حَقِّهِ أَوْ أَكْثَرَ، فَكَذَلِكَ الذَّهَبُ وَالْعُرُوضُ وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُؤَخِّرَهُ بِمَا صَالَحَهُ عَلَيْهِ مِنْ الْأَشْيَاءِ كُلِّهَا مِنْ ذَهَبٍ أَوْ وَرِقٍ أَوْ عُرُوضٍ وَإِنْ أَخَّرَهُ دَخَلَهُ الْخَطَرُ وَالدَّيْنُ بِالدَّيْنِ.

.(في الرَّجُلِ يَدَّعِي قِبَلَ الرَّجُلِ حَقًّا فيصَالِحُهُ عَلَى ثَوْبٍ وَيَشْتَرِطُ):

في الرَّجُلِ يَدَّعِي قِبَلَ الرَّجُلِ حَقًّا فيصَالِحُهُ عَلَى ثَوْبٍ وَيَشْتَرِطُ عَلَيْهِ صَبْغَهُ أَوْ يُصَالِحُهُ عَلَى عَبْدٍ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ أَرْبَعَةً:
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ ادَّعَيْتُ عَلَى رَجُلٍ حَقًّا فَصَالَحَنِي عَلَى ثَوْبٍ يَدْفَعُهُ إلَيَّ وَشَرَطْتُ عَلَيْهِ صَبْغَهُ؟
قَالَ: هَذَا يَدْخُلُهُ الدَّيْنُ بِالدَّيْنِ لِأَنَّ الصَّبْغَ الَّذِي اُشْتُرِطَ لَيْسَ بِعَاجِلٍ.
قُلْت: فَتُفْسَخُ الصَّفْقَةُ كُلُّهَا؟
قَالَ: نَعَمْ، وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ في الْبُيُوعِ؛ لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ: مَنْ كَانَ لَهُ عَلَى رَجُلٍ دَيْنٌ فَلَا يَفْسَخُهُ إلَّا في شَيْءٍ يَقْبِضُهُ، وَلَا يُؤَخِّرُهُ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ لِي عَلَى رَجُلٍ حَقًّا فَصَالَحْتُهُ عَلَى عَبْدٍ عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ؟
قَالَ مَالِكٌ: مَنْ كَانَ لَهُ عَلَى رَجُلٍ دَيْنٌ وَأَخَذَ بِهِ عَبْدًا عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ لَمْ يَصْلُحْ ذَلِكَ وَلَا يَصْلُحُ أَنْ يَفْسَخَ دَيْنَهُ إلَّا في شَيْءٍ يَتَعَجَّلُهُ، وَلَا يَكُونُ فيهِ تَأْخِيرٌ فَهَذَا يَدُلُّكَ عَلَى الصُّلْحِ.

.(في الرَّجُلِ يَكُونُ لَهُ عَلَى الرَّجُلِ أَلْفُ دِرْهَمٍ قَدْ حَلَّتْ):

في الرَّجُلِ يَكُونُ لَهُ عَلَى الرَّجُلِ أَلْفُ دِرْهَمٍ قَدْ حَلَّتْ فيقُولُ: اشْهَدُوا، إنْ أَعْطَانِي مِائَةً عِنْدَ الْمَحَلِّ فَالتِّسْعُمِائَةِ لَهُ وَإِلَّا فَالْأَلْفُ كُلُّهَا عَلَيْهِ:
قُلْت: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ لِي عَلَى رَجُلٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ قَدْ حَلَّتْ فَقُلْت: اشْهَدُوا، إنْ أَعْطَانِي مِائَةَ دِرْهَمٍ عِنْدَ رَأْسِ الْهِلَالِ فَالتِّسْعُمِائَةِ دِرْهَمٍ لَهُ وَإِنْ لَمْ يُعْطِنِي فَالْأَلْفُ كُلُّهَا عَلَيْهِ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ لَا بَأْسَ بِهَذَا فَإِنْ أَعْطَاهُ رَأْسَ الْهِلَالَ فَهُوَ كَمَا قَالَ، وَيَضَعُ عَنْهُ تِسْعَمِائَةٍ، فَإِنْ لَمْ يُعْطِهِ رَأْسَ الْهِلَالِ فَالْمَالُ كُلُّهُ عَلَيْهِ.

.(في الرَّجُلِ يَكُونُ لَهُ عَلَى الرَّجُلِ أَلْفُ دِرْهَمٍ قَدْ حَلَّتْ):

في الرَّجُلِ يَكُونُ لَهُ عَلَى الرَّجُلِ أَلْفُ دِرْهَمٍ قَدْ حَلَّتْ فيصَالِحُهُ مِنْ ذَلِكَ عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ وَعَشَرَةِ دَرَاهِمَ عَلَى أَنْ يُعَجِّلَ لَهُ الْعَشَرَةَ وَيُؤَخِّرَهُ بِالْمِائَةِ إلَى أَجَلٍ:
قُلْت: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ لِي عَلَى رَجُلٍ مِائَةَ دِينَارٍ وَمِائَةَ دِرْهَمٍ حَالَّةً فَصَالَحْتُهُ مِنْ ذَلِكَ عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ وَعَشَرَةِ دَرَاهِمَ عَلَى أَنْ يُعَجِّلَ لِي الْعَشَرَةَ دَرَاهِمَ وَأُؤَخِّرَ عَنْهُ الْمِائَةَ دِرْهَمٍ إلَى أَجَلٍ أَيَجُوزُ هَذَا في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فيهِ شَيْئًا وَهَذَا لَا يَجُوزُ.
قُلْت: لِمَ لَا يَجُوزُ هَذَا وَتَكُونُ الْعَشَرَةُ دَرَاهِمَ بِالْمِائَةِ دِينَارٍ، وَتَكُونُ الْمِائَةُ دِرْهَمٍ كَأَنَّهُ أَخَّرَهَا عَنْهُ وَقَدْ جَوَّزَ لِي في الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى؟
قَالَ مَالِكٌ لَا تُشْبِهُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ.
قُلْت: لِمَ؟
قَالَ: لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ الْأُولَى إنَّمَا أَخَذَ أَحَدَ حَقَّيْهِ وَأَخَذَ بِمَا بَقِيَ مَا ذَكَرْتَ مِنْ الْعَشَرَةِ الدَّرَاهِمِ وَتَرَكَ الدَّنَانِيرَ، وَهَذَا إنَّمَا صَالَحَ بِمَا أَخَذَ وَبِمَا أَخَّرَ عَنْ جَمِيعِ مَا كَانَ لَهُ فَجَرَى مَا أَخَذَ وَمَا أَخَّرَ في جَمِيعِ مَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِ فَصَارَ لِلْعَشَرَةِ الدَّرَاهِمِ حِصَّةٌ مِنْ الدَّنَانِيرِ وَمِنْ الدَّرَاهِمِ وَصَارَ لِمَا أَخَذَ مِنْ الْمِائَةِ دِرْهَمٍ حِصَّةٌ مِنْ الدَّرَاهِمِ وَمِنْ الدَّنَانِيرِ الَّتِي تَرَكَ لَهُ فَلَا يَجُوزُ هَذَا وَيَدْخُلُهُ بَيْعٌ وَسَلَفٌ.
قُلْت: وَلِمَ لَا يَكُونُ هَذَا قَدْ جَرَى في الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى كَمَا جَرَى في هَذِهِ؟
قَالَ: لَمْ يُجْرِهِ في مَسْأَلَتِكَ تِلْكَ وَجَرَى في هَذِهِ.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

.كِتَابُ تَضْمِينِ الصُّنَّاعِ:

.الْقَضَاءُ في تَضْمِينِ الْحَائِكِ إذَا تَعَدَّى:

قُلْت: لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ: أَرَأَيْتَ إنْ دَفَعْت إلَى حَائِكٍ غَزْلًا يَنْسِجُهُ سَبْعًا في ثَمَانٍ فَنَسَجَهُ لِي سِتًّا في سَبْعٍ فَأَرَدْتُ أَنْ آخُذَهُ أَيَكُونُ لِي ذَلِكَ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْت: وَيَكُونُ لِلْحَائِكِ أَجْرُهُ كُلُّهُ؟
قَالَ: نَعَمْ يَكُونُ لِلْحَائِكِ أَجْرُهُ كُلُّهُ.
قَالَ سَحْنُونٌ: وَقَالَ لِي غَيْرُهُ: يَكُونُ لَهُ مِنْ الْأَجْرِ بِحِسَابِ مَا عَمِلَ.
قُلْت: فَإِنْ أَرَدْتُ أَنْ لَا آخُذَهُ مِنْهُ وَأُضَمِّنَ الْحَائِكَ؟
قَالَ: ذَلِكَ لَكَ.
قُلْت: أَفَأُضَمِّنُهُ قِيمَةَ الْغَزْلِ أَوْ غَزْلًا مِثْلَهُ؟
قَالَ: عَلَيْهِ قِيمَةُ الْغَزْلِ وَلَا يَكُونُ عَلَيْهِ غَزْلٌ مِثْلُهُ.
قُلْت: أَتَحْفَظُهُ عَنْ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَا أَحْفَظُهُ عَنْ مَالِكٍ السَّاعَةَ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ اسْتَهْلَكْت لِرَجُلٍ غَزْلًا أَيَكُونُ عَلَيَّ قِيمَتِهِ أَوْ مِثْلُهُ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: مَنْ اسْتَهْلَكَ لِرَجُلٍ ثَوْبًا فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ فَأَرَى في الْغَزْلِ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ وَلَا يَكُونُ عَلَيْهِ مِثْلُهُ.
قَالَ سَحْنُونٌ: الْغَزْلُ أَصْلُهُ الْوَزْنُ وَمَنْ تَعَدَّى عَلَى وَزْنِهِ فَعَلَيْهِ مِثْلُهُ.

.الْقَضَاءُ في تَضْمِينِ الصُّنَّاعِ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ لَوْ لَوْ أَنِّي دَفَعْت إلَى قَصَّارٍ ثَوْبًا لِيَغْسِلَهُ لِي فَغَسَلَهُ أَوْ دَفَعْت إلَى خَيَّاطٍ ثَوْبًا لِيَخِيطَهُ لِي فَفَعَلَ ثُمَّ ضَاعَ بَعْدَ مَا فَرَغَ مَنْ الْعَمَلِ فَأَرَدْتُ أَنْ أُضَمِّنَهُ في قَوْلِ مَالِكٍ، كَيْفَ أُضَمِّنُهُ؟ أَقِيمَتُهُ يَوْمَ قَبَضَهُ مِنِّي أَمْ أَدْفَعَ إلَيْهِ أَجْرَهُ وَأُضَمِّنُهُ قِيمَتَهُ بَعْدَ مَا فَرَغَ مِنْهُ؟
قَالَ: سَأَلْتُ مَالِكًا أَوْ سَمِعْت مَالِكًا يُسْأَلُ عَنْ الرَّجُلِ يَدْفَعُ إلَى الْقَصَّارِ الثَّوْبَ فيفْرُغُ مِنْ عَمَلِهِ وَقَدْ أَحْرَقَهُ أَوْ أَفْسَدَهُ مَاذَا عَلَى الْعَامِلِ؟
قَالَ: قِيمَتُهُ يَوْمَ دَفَعَهُ إلَيْهِ، وَلَا يُنْظَرُ إلَى مَا ابْتَاعَهُ بِهِ صَاحِبُهُ غَالِيًا كَانَ أَوْ رَخِيصًا.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ قُلْت: أَنَا أُضَمِّنُهُ قِيمَتَهُ مَقْصُورًا وَأُؤَدِّي إلَيْهِ الْكِرَاءَ؟
قَالَ: لَيْسَ لَكَ أَنْ تُضَمِّنَهُ إلَّا قِيمَتَهُ يَوْمَ دَفَعْتَهُ إلَيْهِ أَبْيَضَ؟
قَالَ: وَسَأَلْنَا مَالِكًا عَنْ الْخَيَّاطِينَ إذَا أَفْسَدُوا مَا دُفِعَ إلَيْهِمْ؟
قَالَ: عَلَيْهِمْ قِيمَةُ الثِّيَابِ يَوْمَ قَبَضُوهَا.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ فَرَغَ الْخَيَّاطُ أَوْ الصَّانِعُ مِنْ عَمَلِ مَا في يَدَيْهِ ثُمَّ دَعَا صَاحِبَ الْمَتَاعِ فَقَالَ: خُذْ مَتَاعِك فَلَمْ يَأْتِ صَاحِبُ الْمَتَاعِ حَتَّى ضَاعَ الْمَتَاعُ عِنْدَ الصَّانِعِ؟
قَالَ: هُوَ ضَامِنٌ عَلَى حَالِهِ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ دَفَعْت إلَى قَصَّارٍ ثَوْبًا لِيُقَصِّرَهُ فَقَصَّرَهُ فَضَاعَ الثَّوْبُ بَعْدَ الْقَصَّارَةِ فَأَرَدْتُ أَنْ أُضَمِّنَهُ قِيمَةَ ثَوْبِي كَيْفَ أُضَمِّنُهُ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: تُضَمِّنُهُ قِيمَتَهُ يَوْمَ دَفَعْتُهُ إلَيْهِ.
قُلْت: وَلَا يَكُونُ لِي أَنْ أُضَمِّنَهُ قِيمَتَهُ مَقْصُورًا وَأَغْرَمُ لَهُ كِرَاءَ قَصَارَتِهِ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَا.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ اسْتَأْجَرْت خَيَّاطًا يَقْطَعُ لِي قَمِيصًا وَيَخِيطُهُ لِي فَأَفْسَدَهُ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إذَا كَانَ الْفَسَادُ يَسِيرًا فَعَلَيْهِ قِيمَةُ مَا أَفْسَدَ وَإِنْ كَانَ الْفَسَادُ كَثِيرًا ضَمِنَ قِيمَةَ الثَّوْبِ وَكَانَ الثَّوْبُ لِلْخَيَّاطِ.
ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: وَقَالَ لِي مَالِكٌ: إنَّمَا يَضْمَنُ الصُّنَّاعُ مَا دُفِعَ إلَيْهِمْ مِمَّا يَسْتَعْمِلُونَ عَلَى وَجْهِ الْحَاجَةِ إلَى أَعْمَالِهِمْ، وَلَيْسَ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الِاخْتِبَارِ لَهُمْ وَالْأَمَانَةِ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ إلَى أَمَانَتِهِمْ لَهَلَكَتْ أَمْوَالُ النَّاسِ وَضَاعَتْ قِبَلَهُمْ وَاجْتَرَءُوا عَلَى أَخْذِهَا وَلَوْ تَرَكُوهَا لَمْ يَجِدُوا مُسْتَعْتِبًا وَلَمْ يَجِدُوا غَيْرَهُمْ وَلَا أَحَدًا يَعْمَلُ تِلْكَ الْأَعْمَالَ غَيْرُهُمْ فَضَمِنُوا ذَلِكَ لِمَصْلَحَةِ النَّاسِ وَمِمَّا يُشْبِهُ ذَلِكَ مِنْ مَنْفَعَةِ الْعَامَّةِ مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَبِعْ حَاضِرٌ لِبَادٍ وَلَا تَلَقَّوْا السِّلَعَ حَتَّى يُهْبَطَ بِهَا إلَى الْأَسْوَاقِ» فَلَمَّا رَأَى أَنَّ ذَلِكَ يُصْلِحُ الْعَامَّةَ أَمَرَ فيهِ بِذَلِكَ.
ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ بُكَيْرَ بْنَ الْأَشَجِّ حَدَّثَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يُضَمِّنُ الصُّنَّاعَ الَّذِينَ في الْأَسْوَاقِ وَانْتَصَبُوا لِلنَّاسِ مَا دُفِعَ إلَيْهِمْ.
سَحْنُونٌ، عَنْ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ رِجَالٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَرَبِيعَةَ وَابْنِ شِهَابٍ وَشُرَيْحٍ مِثْلُهُ.
وَقَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ وَرَبِيعَةُ وَابْنُ شِهَابٍ وَشُرَيْحٌ مِثْلَهُ.
وَقَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ: مَا زَالَ الْخُلَفَاءُ يُضَمِّنُونَ الصُّنَّاعَ.
ابْنُ وَهْبٍ، وَأَخْبَرَنِي الْحَارِثُ بْنُ نَبْهَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْأَقْمَرِ أَنَّ شُرَيْحًا ضَمَّنَ صَبَّاغًا احْتَرَقَ بَيْتُهُ ثَوْبًا دُفِعَ إلَيْهِ وَقَالَ الْحَارِثُ بْنُ نَبْهَانَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ قَالَ: كَانَ شُرَيْحٌ يُضَمِّنُ الصَّبَّاغَ وَالْقَصَّارَ.

.الْقَضَاءُ في تَضْمِينِ الصُّنَّاعِ مَا أَفْسَدَ أُجَرَاؤُهُمْ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ الْقَصَّارَ إذَا أَفْسَدَ أَجِيرُهُ شَيْئًا أَيَكُونُ عَلَى الْأَجِيرِ شَيْءٌ أَمْ لَا؟
قَالَ: لَا شَيْءَ عَلَى الْأَجِيرِ فيمَا أُوتِيَ عَلَى يَدَيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ ضَيَّعَ أَوْ فَرَّطَ أَوْ تَعَدَّى.
قُلْت: وَيَكُونُ ضَمَانُ ذَلِكَ الْفَسَادِ عَلَى الْقَصَّارِ لِرَبِّ الثَّوْبِ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْت: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فيهِ شَيْئًا وَهُوَ رَأْيِي.

.الْقَضَاءُ في تَضْمِينِ الْخَبَّازِ إذَا احْتَرَقَ الْخُبْزُ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ الْخَبَّازَ الَّذِي يَخْبِزُ بِالْأَجْرِ لِلنَّاسِ في الْفُرْنِ أَوْ التَّنُّورِ فَاحْتَرَقَ الْخُبْزُ أَيُضَمَّنُ أَمْ لَا؟
قَالَ: سَأَلْنَا مَالِكًا عَنْ الْخَبَّازِينَ في الْأَفْرَانِ أَيُضَمَّنُونَ أَمْ لَا.
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ إلَّا أَنْ يَكُونُوا غُرُّوا مِنْ أَنْفُسِهِمْ إذَا لَمْ يُحْسِنُوا الْخُبْزَ فَاحْتَرَقَ فيضْمَنُوا وَفَرَّطَ فَلَمْ يُخْرِجْ الْخُبْزَ حَتَّى احْتَرَقَ فَهَذَا يُضَمَّنُ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يُفَرِّطْ وَلَمْ يُغَرَّ مِنْ نَفْسِهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ.
قَالَ مَالِكٌ: لِأَنَّ النَّارَ تَغْلِبُ وَلَيْسَتْ النَّارُ كَغَيْرِهَا.

.الْقَضَاءُ في الصَّبَّاغِ يُخْطِئُ فيصْبُغُ الثَّوْبَ غَيْرَ مَا أُمِرَ بِهِ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يَدْفَعُ إلَى الصَّبَّاغِ الثَّوْبَ فيخْطِئُ بِهِ فيصْبُغُهُ غَيْرَ الصِّبْغِ الَّذِي أُمِرَ بِهِ؟
قَالَ: صَاحِبُ الثَّوْبِ مُخَيَّرٌ إنْ أَحَبَّ أَعْطَاهُ قِيمَةَ الصَّبْغِ، وَإِنْ أَحَبَّ ضَمَّنَّهُ قِيمَتَهُ يَوْمَ دَفَعَهُ إلَيْهِ.

.(الْقَضَاءُ في الْقَصَّارِ يُخْطِئُ بِثَوْبِ رَجُلٍ فيدْفَعُهُ إلَى رَجُلٍ آخَرَ):

الْقَضَاءُ في الْقَصَّارِ يُخْطِئُ بِثَوْبِ رَجُلٍ فيدْفَعُهُ إلَى رَجُلٍ آخَرَ فيقْطَعُهُ الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ وَيَخِيطُهُ وَلَا يَعْلَمُ ثُمَّ يَعْلَمُ فيرِيدُ صَاحِبُهُ أَنْ يَأْخُذَهُ:
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ دَفَعْت إلَى قَصَّارٍ ثَوْبًا لِيُقَصِّرَهُ فَأَخْطَأَ فَدَفَعَهُ إلَى غَيْرِي بَعْدَ مَا قَصَّرَهُ فَقَطَعَهُ الَّذِي أَخَذَهُ قَمِيصًا وَخَاطَهُ ثُمَّ عَلِمْنَا بِذَلِكَ، وَقَدْ كَانَ دَفَعَ إلَيَّ ثَوْبًا غَيْرَهُ فَأَرَدْتُ أَنْ أَرُدَّ إلَيْهِ الثَّوْبَ وَآخُذَ ثَوْبِي؛ قَالَ: ذَلِكَ لَكَ.
قُلْت: وَإِنْ كَانَ الَّذِي قَطَعَهُ قَدْ خَاطَهُ قَمِيصًا؟
قَالَ: نَعَمْ وَإِنْ كَانَ قَدْ خَاطَهُ.
قُلْت: فَإِنْ أَرَادَ أَنْ لَا يَأْخُذَ ثَوْبَهُ وَأَنْ يُضَمِّنَهُ الْقَصَّارَ؟
قَالَ: ذَلِكَ لَهُ عِنْدَ مَالِكٍ.
قُلْت: فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يُضَمِّنَ الَّذِي قَطَعَهُ قَمِيصًا أَيَكُونُ لَهُ ذَلِكَ؟
قَالَ: لَا، وَلَا يَأْخُذُهُ أَيْضًا مِنْ الَّذِي قَطَعَهُ إنْ أَرَادَ أَخْذَهُ حَتَّى يَدْفَعَ إلَى الَّذِي قَطَعَهُ أَجْرَ خِيَاطَتِهِ، فَإِنْ أَبَى أَنْ يَدْفَعَ الْخِيَاطَةَ كَانَ الَّذِي خَاطَهُ مُخَيَّرًا في أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ قِيمَةَ ثَوْبِهِ صَحِيحًا أَوْ يَدْفَعَهُ إلَيْهِ مَخِيطًا، فَإِنْ دَفَعَهُ إلَيْهِ كَانَ صَاحِبُ الثَّوْبِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ الثَّوْبَ وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَّ الْقَصَّارَ قِيمَتَهُ، وَلَيْسَ خَطَؤُهُ بِاَلَّذِي يَضَعُ عَنْهُ قِيمَتَهُ إذَا أَسْلَمَهُ الَّذِي قَطَعَهُ.
قَالَ سَحْنُونٌ: إذَا أَبَى أَنْ يُعْطِيَهُ أَجْرَ الْخِيَاطَةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا أَنْ يُضَمِّنَ الْقَصَّارَ قِيمَةَ ثَوْبِهِ، فَإِنْ ضَمِنَ الْقَصَّارُ قِيمَةَ ثَوْبِهِ قِيلَ لَلْقَصَّارِ: أَعْطِ الْخَيَّاطَ أَجْرَ خِيَاطَتِهِ، فَإِنْ أَبَى قِيلَ لِلَّذِي خَاطَ الثَّوْبَ: أَعْطِهِ قِيمَةَ ثَوْبِهِ غَيْرَ مِخْيَطٍ، فَإِنْ أَبَى كَانَا شَرِيكَيْنِ هَذَا بِقِيمَةِ ثَوْبِهِ وَهَذَا بِخِيَاطَتِهِ.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ في رَجُلٍ اشْتَرَى ثَوْبًا فَأَخْطَأَ الْبَائِعُ فَأَعْطَاهُ ثَوْبًا غَيْرَهُ فَقَطَعَهُ الْمُشْتَرِي وَخَاطَهُ قَالَ: إنْ أَحَبَّ أَنْ يَأْخُذَ ثَوْبَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ حَتَّى يَدْفَعَ إلَيْهِ هَذَا أَجْرَ خِيَاطَتِهِ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: فَأَرَى أَنْ يُقَالَ لِمُشْتَرِي الثَّوْبِ: إنْ أَحْبَبْتَ فَادْفَعْ قِيمَةَ الثَّوْبِ صَحِيحًا، وَإِنْ أَحْبَبْتَ فَادْفَعْهُ مَخِيطًا وَلَا شَيْءَ عَلَيْكَ.
قَالَ: وَإِنَّمَا بَلَغَنِي هَذَا عَنْ مَالِكٍ.
قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ: لِمَ لَا تَجْعَلُ عَلَى الْقَصَّارِ هَاهُنَا شَيْئًا إذَا رَضِيَ رَبُّ الثَّوْبِ أَنْ يَأْخُذَ ثَوْبَهُ وَيَدْفَعَ أَجْرَ الْخِيَاطَةِ؟
قَالَ: لِأَنَّ رَبَّ الثَّوْبِ إذَا أَخَذَ ثَوْبَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْقَصَّارِ شَيْءٌ.
قُلْت: وَلِمَ جَعَلَتْ لِلَّذِي قَطَعَهُ ثَمَنَ خِيَاطَتِهِ وَقَدْ قُلْت: في الَّذِي يَغْصِبُ الثَّوْبَ مِنْ الرَّجُلِ فيقْطَعُهُ فيخِيطُهُ قَمِيصًا: إنَّ الْمَغْصُوبَ إنْ أَحَبَّ أَنْ يَأْخُذَ قَمِيصَهُ، وَلَا يَكُونُ لِلْغَاصِبِ مِنْ الْخِيَاطَةِ قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ؟
قَالَ: لِأَنَّ الْغَاصِبَ مُتَعَدٍّ، وَلِأَنَّ هَذَا إنَّمَا دَفَعَ إلَيْهِ الثَّوْبَ وَلَمْ يَتَعَدَّ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ كَانَ الْقَطْعُ وَالْخِيَاطَةُ قَدْ نَقَصَا الثَّوْبَ فَقَالَ رَبُّ الثَّوْبِ: أَنَا آخُذُ الثَّوْبَ وَمَا نَقَصَهُ الْقَطْعُ وَالْخِيَاطَةُ أَيَكُونُ ذَلِكَ لَهُ أَمْ لَا؟
قَالَ: لَا يَكُونُ ذَلِكَ لَهُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ إذَا كَانَ مَخِيطًا إلَّا أَنْ يَدْفَعَ أَجْرَ الْخِيَاطَةِ إلَى الَّذِي قَطَعَ الثَّوْبَ وَخَاطَهُ.

.(الْقَضَاءُ في الرَّجُلِ يَشْتَرِي الثَّوْبَ فيخْطِئُ الْبَائِعُ فيعْطِيهِ غَيْرَ ثَوْبِهِ):

الْقَضَاءُ في الرَّجُلِ يَشْتَرِي الثَّوْبَ فيخْطِئُ الْبَائِعُ فيعْطِيهِ غَيْرَ ثَوْبِهِ فيقْطَعُهُ وَيَخِيطُهُ وَلَا يَعْلَمُ بِذَلِكَ ثُمَّ يَعْلَمُ بِذَلِكَ:
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ اشْتَرَيْت مَنْ رَجُلٍ ثَوْبًا فَأَخْطَأَ فَأَعْطَانِي غَيْرَ الثَّوْبِ فَقَطَعْتُهُ قَمِيصًا، وَلَمْ أَخِطْهُ فَأَرَادَ رَبُّ الثَّوْبِ أَنْ يَأْخُذَهُ مَقْطُوعًا؟
قَالَ: ذَلِكَ لَهُ وَلَيْسَ الْقَطْعُ بِزِيَادَةٍ مِنْ الَّذِي قَطَعَهُ وَلَا نُقْصَانٍ.
قُلْت: فَإِنْ خَاطَهُ؟
قَالَ: إذَا خَاطَهُ لَمْ يَكُنْ لِرَبِّ الثَّوْبِ أَنْ يَأْخُذَهُ إلَّا أَنْ يَدْفَعَ قِيمَةَ الْخِيَاطَةِ لِأَنَّ هَذَا الَّذِي قَطَعَهُ لَمْ يَأْخُذْهُ مُتَعَدِّيًا.

.الْقَضَاءُ في الْخَيَّاطِ وَالصَّرَّافِ يَغُرَّانِ مِنْ أَنْفُسِهِمَا:

قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ جِئْت إلَى بَزَّازٍ لِأَشْتَرِيَ مِنْهُ ثَوْبًا فَدَعَوْتُ خَيَّاطًا فَقُلْت لَهُ: أَبْصِرْ هَذَا الثَّوْبَ إنْ كَانَ يُقْطَعُ قَمِيصًا أَشْتَرِيهِ فَقَالَ لِي الْخَيَّاطُ: هُوَ يُقْطَعُ قَمِيصًا فَاشْتَرَيْتُهُ فَإِذَا هُوَ لَا يُقْطَعُ قَمِيصًا أَيَكُونُ لِي عَلَى الْخَيَّاطِ شَيْءٌ أَمْ لَا؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا شَيْءَ عَلَى الْخَيَّاطِ وَلَا شَيْءَ لِلْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ وَيَلْزَمُ الثَّوْبُ الْمُشْتَرِي وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ وَلَا عَلَى الْخَيَّاطِ بِقَلِيلٍ وَلَا بِكَثِيرٍ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَكَذَلِكَ الصَّيْرَفي يَأْتِيهِ الرَّجُلُ فيرِيهِ الدَّرَاهِمَ فيقُولُ لَهُ هِيَ جِيَادٌ وَلَا بَصَرَ لَهُ بِهَا فَتُوجَدُ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَيُعَاقَبُ إذَا غَرَّ مِنْ نَفْسِهِ، وَكَذَلِكَ الْخَيَّاطُ أَيْضًا إنْ كَانَ غُرَّ مِنْ نَفْسِهِ عُوقِبَ.

.(الْقَضَاءُ في تَرْكِ تَضْمِينِ الصُّنَّاعِ مَا يُتْلَفُ بِأَيْدِيهِمْ):

الْقَضَاءُ في تَرْكِ تَضْمِينِ الصُّنَّاعِ مَا يُتْلَفُ بِأَيْدِيهِمْ إذَا أَقَامُوا عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ:
قُلْت: أَرَأَيْتَ الصُّنَّاعَ في السُّوقِ الْخَيَّاطِينَ وَالْقَصَّارِينَ وَالصَّوَّاغِينَ إذَا ضَاعَ مَا أَخَذُوا لِلنَّاسِ مِمَّا يَعْمَلُونَهُ بِالْأَجْرِ وَأَقَامُوا الْبَيِّنَةَ عَلَى الضَّيَاعِ أَيَكُونُ عَلَيْهِمْ ضَمَانٌ أَوْ لَا في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إذَا قَامَتْ لَهُمْ الْبَيِّنَةُ بِذَلِكَ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الرَّهْنِ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ الْقَصَّارَ إذَا قَرَضَ الْفَأْرُ الثَّوْبَ عِنْدَهُ أَيَضْمَنُ أَمْ لَا في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: يَضْمَنُ الْقَصَّارُ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ أَمْرٌ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ يَقُومُ لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ، فَالْقَصَّارُ لَا يَضْمَنُ إذَا جَاءَ أَمْرٌ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ تَقُومُ لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ وَالْفَأْرُ مَنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ قَرَضَهُ فَهُوَ عَلَى الْقَصَّارِ.
إلَّا أَنْ يَقُومَ لِلْقَصَّارِ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ قَرَضَهُ بِمَعْرِفَةٍ تُعْرَفُ أَنَّهُ قَرْضُ الْفَأْرِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ ضَيَّعَ الثِّيَابَ حَتَّى قَرَضَهَا الْفَأْرُ.
قَالَ: فَإِنْ قَامَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ بِحَالِ مَا وَصَفْتُ لَكَ فَلَا يَكُونُ عَلَيْهِ ضَمَانٌ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ جَفَّفَ الْقَصَّارُ ثَوْبًا عَلَى حَبْلٍ لَهُ عَلَى الطَّرِيقِ مِثْلِ هَذِهِ الْحِبَالِ الَّتِي يَرْبِطُونَهَا عَلَى الطَّرِيقِ فَمَرَّ رَجُلٌ بِحِمْلٍ لَهُ فَخَرَقَ الثَّوْبَ أَيُضَمَّنُ الثَّوْبَ أَمْ لَا؟
قَالَ: يُضَمَّنُ مَا خَرَقَ.
قُلْت: فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ عِنْدَ الَّذِي خَرَقَ الثَّوْبَ شَيْءٌ أَيُضَمَّنُ الْقَصَّارُ أَمْ لَا؟
قَالَ: لَا ضَمَانَ عَلَى الْقَصَّارِ لِأَنَّ هَذَا قَدْ عَلِمَ أَنَّهُ مِنْ غَيْرِ فِعْلِ الْقَصَّارِ.
قُلْت: وَلِمَ ضَمَّنْتَ الَّذِي خَرَقَهُ وَإِنَّمَا مَرَّ بِحِمْلِهِ في طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ، وَالْقَصَّارُ هُوَ الَّذِي نَشَرَ ثَوْبَهُ في طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ؟ قَالَ هُوَ وَإِنْ كَانَ نَشَرَهُ في طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَكُنْ لِهَذَا الْمَارِّ أَنْ يَخْرِقَهُ، فَلَمَّا خَرَقَهُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَخْرِقَهُ ضَمَّنْتُهُ.
قَالَ: وَهُوَ رَأْيِي مِثْلُ مَا وَصَفْتُ لَكَ مِنْ الْأَحْمَالِ إذَا اصْطَدَمَتْ في طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ، فَالْقَصَّارُ لَهُ أَنْ يَنْشَرَ الثِّيَابَ.
قُلْت: وَكَذَلِكَ لَوْ وَضَعَ رَجُلٌ في طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ قِلَالًا فَمَرَّ النَّاسُ فَعَثَرُوا فيهَا فَانْكَسَرَتْ أَيُضَمَّنُونَهَا؟
قَالَ: نَعَمْ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا أَوْقَفَ دَابَّتَهُ عَلَيْهَا حِمْلُهَا في طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ فَأَتَى رَجُلٌ فَصَدْمَهَا فَكَسَرَ مَا عَلَيْهَا أَوْ قَتَلَهَا كَانَ عَلَيْهِ ضَمَانُ ذَلِكَ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ الصُّنَّاعَ مَا أَصَابَ الْمَتَاعَ عِنْدَهُمْ مَنْ أَمْرِ اللَّهِ مِثْلَ التَّلَفِ وَالْحَرِيقِ وَالسَّرِقَةِ وَمَا أَشْبَهَهُ فَأَقَامُوا عَلَى ذَلِكَ الْبَيِّنَةَ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ إذَا قَامَتْ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةٌ وَلَمْ يُفَرِّطُوا.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ اسْتَأْجَرْت خَيَّاطًا يَخِيطُ لِي قَمِيصًا فَلَمْ أَدْفَعْهُ إلَيْهِ في حَانُوتِهِ وَأَمَرْته أَنْ يَخِيطَهُ عِنْدِي في بَيْتِي فَضَاعَ.
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا ضَمَانَ عَلَى الْخَيَّاطِ إذَا لَمْ يُسَلَّمْ الثَّوْبُ إلَى الْخَيَّاطِ.
قَالَ مَالِكٌ: وَكَذَلِكَ الصُّنَّاعُ كُلُّهُمْ إذَا اسْتَعْمَلْتَهُمْ في بَيْتِكَ إذَا لَمْ يُسَلَّمْ الثَّوْبُ إلَيْهِمْ فَضَاعَ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ إلَّا أَنْ يَكُونُوا تَعَدَّوْا.
قُلْت: وَكَذَلِكَ لَوْ اكْتَرَيْت عَلَى حِنْطَةٍ فَكُنْتُ مَعَ الْحِنْطَةِ فَضَاعَتْ؟
قَالَ مَالِكٌ: لَا ضَمَانَ عَلَى الْحَمَّالِ لِأَنَّ رَبَّ الطَّعَامِ لَمْ يُسَلِّمْهُ إلَى الْحَمَّالِ إذَا كَانَ مَعَهُ.

.الْقَضَاءُ في دَعْوَى الصُّنَّاعِ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ دَفَعْت إلَى صَبَّاغٍ ثَوْبًا لِيَصْبُغَهُ فَقُلْت: إنَّمَا أَمَرْتُك أَنْ تَصْبُغَهُ أَخْضَرَ فَقَالَ الصَّبَّاغُ: إنَّمَا أَمَرْتنِي بِأَسْوَدَ أَوْ بِأَحْمَرَ وَقَدْ صَبَغْتُهُ كَذَلِكَ.
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: الْقَوْلُ قَوْلُ الصَّبَّاغِ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ مِنْ ذَلِكَ بِأَمْرٍ لَا يُشْبِهُ.
قُلْت: وَأَيُّ شَيْءٍ مَعْنَى قَوْلِهِ لَا يُشْبِهُ؟
قَالَ: يَصْبُغُ الثَّوْبَ بِمَا لَا يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ صَبَغَ ذَلِكَ الثَّوْبَ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ دَفَعْت إلَى صَائِغٍ فِضَّةً لِيَصُوغَهَا فَصَاغَهَا سِوَارَيْنِ فَقُلْت: إنَّمَا أَمَرْتُك بِخَلْخَالَيْنِ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: الْقَوْلُ قَوْلُ الصَّائِغِ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ الصَّبَّاغِينَ وَالْخَيَّاطِينَ وَالْحَدَّادِينَ وَالْعُمَّالَ كُلَّهُمْ مِنْ الْأَسْوَاقِ إذَا أَخَذُوا السِّلَعَ يَعْمَلُونَهَا لِلنَّاسِ بِالْأَجْرِ أَوْ بِغَيْرِ الْأَجْرِ إذَا قَالُوا لِأَرْبَابِ السِّلَعِ: قَدْ رَدَدْنَاهَا عَلَيْكُمْ أَيُصَدَّقُونَ في قَوْلِ مَالِكٍ أَمْ لَا؟ وَكَيْفَ إنْ كَانَ أَرْبَابُ السِّلَعِ دَفَعُوا ذَلِكَ بِبَيِّنَةٍ أَوْ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: عَلَيْهِمْ أَنْ يُقِيمُوا الْبَيِّنَةَ أَنَّهُمْ رَدُّوا السِّلَعَ إلَى أَرْبَابِهَا وَإِلَّا غَرِمُوا مَا دُفِعَ إلَيْهِمْ بِبَيِّنَةٍ أَوْ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ إذَا أَقَرُّوا بِهَا وَعَمِلُوا بِالْأَجْرِ أَوْ بِغَيْرِ الْأَجْرِ فَهُوَ وَاحِدٌ عِنْدَنَا لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ: مَنْ اسْتَعْمَلَ مِنْ الْعُمَّالِ كُلِّهِمْ مِنْ الْخَيَّاطِينَ وَالصَّوَّاغِينَ وَغَيْرِهِمْ عَلَى شَيْءٍ فَعَمِلُوهُ بِغَيْرِ أَجْرٍ فَزَعَمُوا أَنَّهُ قَدْ هَلَكَ غَرِمَهُ وَضَمِنَهُ وَلَمْ يَنْفَعْهُ أَنَّهُ عَمِلَهُ بِغَيْرِ أَجْرٍ وَلَا يُبَرِّئُهُ ذَلِكَ وَكَانَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ اُسْتُؤْجِرَ عَلَيْهِ.
قُلْت: وَسَوَاءٌ إنْ كَانُوا قَبَضُوا ذَلِكَ بِبَيِّنَةٍ أَوْ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: وَمَا سَأَلْنَا مَالِكًا عَنْهُ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ.